لماذا تراجعت أسعار الذهب مؤخرًا؟ وما الذي ينتظرها؟

ارتفع الذهب بقوة منذ بداية هذا العام وبرز كواحد من أفضل فئات الأصول أداءً مقارنة بالأصول الأخرى، حيث حقق مكاسب بأكثر من 15% منذ بداية العام حتى منتصف شهر أبريل مسجلًا أعلى مستوياته على الإطلاق عند 2431 دولار للأونصة، ولكن منذ ذلك الحين، شهد تقلبات بين الانخفاض والارتفاع ليتداول فوق مستوي 2300 دولار.
جاءت أغلب مكاسب الذهب في الشهر ونصف الشهر الماضيين، حيث تداول في الأول من مارس عند سعر 2082.55 دولار للأونصة، وهذا في تناقض صارخ مع سعره في الوقت الحالي (8 مايو) عند 2318.27 دولار
وفقًا للمحللين، إن اتجاه الأسعار الجامح والمتقلب للمعدن الأصفر الذي اخترق مستويات قياسية جديدة، جاء على خلفية الصراع الأخير بين إيران وإسرائيل والحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي أدت إلى انسحاب المستثمرين من الاستثمار في الأصول الأكثر خطورة وإعادة الاستثمار في الذهب، وعند النظر إلى سيناريو التصعيد الذي يلوح في الأفق بين الدول المتنازعة ورد فعل مجموعة السبع، ستظل ديناميكيات أسعار الذهب متقلبة ولا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير.
الذهب يتراجع إلى مستوي 2300 دولار
بعد أن وصلت أسعار تداول الذهب لأعلى مستوياتها على الإطلاق فوق 2400 دولار تراجعت إلي ما دون عتبة 2300 دولار ثم عادت للارتفاع مرة أخري لتبقي فوق مستوي 2300 دولار، يأتي هذا الانخفاض بعد أن كشفت بيانات صادرة من الولايات المتحدة أن تكاليف التوظيف آخذه فى الصعود، مما يضيف ضغط صعودي علي مستويات التضخم، وبالتالى قد يحتاج البنك الاحتياطى الفيدرالى إلي التحلى بالصبر في قرار خفض سعر الفائدة كما صرح رئيس البنك الاحتياطي “جيروم باول” قبل أسبوعين فقط.
في الوقت نفسه، قال المحللون إنه مع استبعاد تخفيضات أسعار الفائدة في الصيف، فمن غير المرجح أن يبدأ البنك المركزي دورة التيسير قبل الانتخابات الأمريكية لعام 2024 في نوفمبر، وبالتالي سيكون موقف البنك المركزي سلبيًا بالنسبة للذهب.
زاد من الضغط السلبي على المعدن الأصفر مواصلة المستثمرين لعمليات جني الأرباح بعد فشلهم في الحفاظ على مستويات قياسية فوق 2400 دولار للأونصة، ومع ذلك، قال بعض المحللين إن العديد من المستثمرين ما زالوا متمسكين بالمكاسب القوية، على الرغم من الانخفاض الحاد.
لا يزال هناك مزيد من الدعم
أشار المحللون إلي أن البيانات الاقتصادية التي صدرت في الفترة الأخيرة تجعل البنك الاحتياطي يقف حائرًا، فمعدلات التضخم لا تزال مرتفعة والنمو الاقتصادي يتباطأ، وهذا يوفر بعض الدعم للذهب.
على الرغم من التراجع الأخير للذهب إلا أن الكثير من الخبراء لا يزالون متفائلين تجاه الذهب، حيث يبدو أن الاقتصاد الأمريكى بدأ يدخل مرحلة من الركود التضخمى، خاصة عقب تقرير الوظائف بالقطاع غير الزراعى المخيب للآمال والذى جاء أقل من التوقعات، والذي من شأنه رسم صورة أكثر وضوحًا للتضخم المصحوب بالركود، وقد أثر هذا بالايجاب على أسعار الذهب.
في حين أن البيانات الإقتصادية الأمريكية المتضاربة والغموض حول توقيت خفض أسعار الفائدة يعملان على خلق بعض التقلبات قصيرة المدي في سوق الذهب، إلا أن المحللين يروا أن ذلك يظل عامل ثانوي مؤثر على المعدن الثمين، ويشير المحللون أيضًا إلى أن هناك عوامل أخرى تدعم الذهب مثل الدين والعجز المتزايدين للحكومة الأمريكية.
قال رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك “أولي هانسن”: أن السلوك الأخير يُظهر أن المستثمرين يشعرون بقلق متزايد بشأن التضخم وأزمة الديون المحتملة مع استمرار ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وتوقع أن تظل أسعار الذهب مدعومة بشكل جيد مع تزايد قلق المؤسسات بشأن ديون الحكومة الأمريكية المتزايدة، وأضاف أنه في هذه البيئة، ستواصل البنوك المركزية الحد من تعرضها للدولار الأمريكي والديون الأمريكية، خاصة وأن نفقات الفائدة على ديون الحكومة الأمريكية هي أكثر من الإنفاق على الدفاع الأمريكي، وبالتالي سيكون هناك بديل للاحتفاظ بسندات الخزانة الأمريكية وهو الاحتفاظ بالذهب.
على الرغم من أنه من المتوقع أن يحافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي على سياساته النقدية التقييدية خلال فصل الصيف، إلا أن لهجته المتشددة ستكون أقل، فالخلفية الأساسية هي أن البنك الاحتياطي الفيدرالي لا يريد رفع أسعار الفائدة، وسيواصل ترك الباب مفتوحا لخفض أسعار الفائدة هذا العام، الأمر الذي سيدعم أسعار الذهب.
هل من الجيد الاستثمار في الذهب في الوقت الحالي؟
على الرغم من أن الذهب لا يستخدم عادةً كأصل مدر للدخل، إلا أن المكاسب الأخيرة في سعر المعدن الثمين تظهر كيف يمكنك تحقيق ربح من خلال الاستثمار في السلعة، ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون الدخل هو السبب الوحيد لإضافة الأصول إلى محفظتك، فبعض الأصول مثل الذهب تأتي مع مجموعة واسعة من الفوائد الأخرى.
على سبيل المثال: يشكل الذهب وسيلة تحوط قوية ضد التضخم، ومن السهل أن نرى هذه الحقيقة عندما ننظر إلى الحركة الأخيرة في أسعار المعدن الثمين، وهي الحركة التي يمكن أن تعزى جزئياً على الأقل إلى البيئة الاقتصادية التضخمية اليوم، في النهاية، عندما يكون التضخم مرتفعًا يميل المستهلكون والمستثمرون وحتى الشركات والبنوك المركزية إلى النظر إلى الذهب كوسيلة للحفاظ على قيمة ممتلكاتهم، يؤدي هذا إلى ارتفاع الطلب على الذهب، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر السلعة أيضًا وربما تعويض أي خسارة في القيمة المرتبطة بالتضخم في محفظة استثمارية متوازنة.
يُعتقد أيضًا أن الذهب هو أحد الأصول الاستثمارية الآمنة، فعلى الرغم من أن قدراته على التحوط من التضخم هي أحد الأسباب التي تجعل الذهب يعتبر ملاذا آمنا، إلا أنها ليست السبب الوحيد، يأتي الذهب بقيمة تنويع عالية في المحافظ الاستثمارية لأن سعر السلعة لا يتحرك عادةً جنبًا إلى جنب مع أصول المحفظة الأخرى الأكثر تقليدية مثل الأسهم والسندات.
ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه، على عكس معظم أصول المحفظة التقليدية، يعد الذهب أصلًا ملموسًا، وهو من النوع الذي يزداد الطلب عليه، ويمكن أن يكون هذا سببًا مقنعًا للاستثمار في المعدن الثمين أيضًا، ففي نهاية المطاف، من السهل نسبياً شراء وبيع الذهب حتى في ظل البيئة الاقتصادية التضخمية السائدة اليوم.
إذا قمت بشراء الذهب في 1 مارس 2024 فمن المحتمل أن تكون قيمة الذهب اليوم قد ارتفعت بحوالي 14% عما كانت عليه عندما اشتريته، ولا يظهر سعر المعدن الثمين أي علامات على مزيد من الانخفاض في أي وقت قريب، ومع إشارة الخبراء إلى احتمال حدوث المزيد من الحركة الصعودية في المستقبل، فإن شراء الذهب الآن قد يمنحك الفرصة للاستفادة من النمو.
لكن نمو الأسعار الحالي لا ينبغي أن يكون العامل الوحيد الذي يدفعك للاستثمار في الذهب، يعد المعدن الثمين أحد الأصول الملموسة التي يسهل شراؤها وبيعها، ويأتي ذو قيمة كبيرة كأداة للتحوط من التضخم وتنويع المحفظة، وهذا على الأرجح هو السبب الذي يجعل الخبراء ينصحون المستثمرين في كثير من الأحيان بالحفاظ على تخصيص آمن للذهب (بنسبة 10% من استثمارتك من الذهب).



